توسّع الإشتباك السياسي بين بعبدا وبيت الوسط ليطال جبهة حركة أمل – التيار الوطني الحر، بالتوازي مع تزاحُم المبادرات والمساعي الداخلية والخارجية لتأليف حكومة جديدة؛ في ظل معلومات تحدّثت عن أنّ العدّ العكسي لحل الأزمة الحكومية قد بدأ على أن يتظهّر ذلك نهاية الشهر الجاري.
ففي حين لم تتّضِح نتائج جولة الرئيس المكلّف سعد الحريري الخارجية في دفع عجلة التأليف، تترقب الأوساط السياسية نتائج المبادرة الفرنسية بنسختها المعدّلة والتي تتظهّر بجولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخليجية وتحديداً إلى السعودية.
فيما يجري التداول في الكواليس بمسعى قطري بالتنسيق مع واشنطن، تجلّى بالإعلان عن زيارة مفاجئة وسريعة لنائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى بيروت. على أن يُعقد مؤتمر صحافي في بعبدا بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وتزامن ذلك الإعلان مع عودة السفير السعودي وليد البخاري إلى بيروت بعد غياب دام أشهر!
وكشفت أوساط سياسية لـ”أحوال” عن دخول قطري على خط الأزمة في محاولة لجمع الأطراف الداخلية للتوصّل إلى حل يشبه اتفاق الدولة عام 2009، أما السبب فيعود إلى اهتمام قطري بلبنان على الصعيد الاقتصادي سيّما في قطاع الغاز والنفط.
هل تتمكّن هذه المساعي من كسر الجمود الحكومي؟
مصادر مطلعة على الحراك الفرنسي لفتت لـ”أحوال”، إلى أنّ “التقدّم في الموقف الفرنسي باتجاه حل وسط جاء بعدما فشلت النسخة الأولى من المبادرة الفرنسية في التوصل إلى إتفاق على حكومة توافقية ما يُحتّم تعديل المبادرة الفرنسية باتجاه أكثر واقعية”. وعلِم “أحوال” أنّ “الحريري مُصّر على أن تحظى حكومته بالرضا السعودي، ولهذه الغاية حاول التوسط مع المصريّين والإماراتيّين خلال زيارته الأخيرة إلى كل من القاهرة وأبو ظبي لكسب ودّ السعوديّين، لكن باب الرياض لم يُفتح للحريري حتى الآن. على أن يستكمل الحريري جولته إلى باريس قبيل جولة ماكرون الخليجية، علماً أن الأخير سيوفِد ممثّله باتريك دوريل إلى لبنان نهاية الأسبوع الجاري للقاء المسؤولين المعنيين بالتأليف.
علوش: خطاب الحريري مرتبط بموقف عون
ولفت نائب رئيس تيار المستقبل الدكتور مصطفى علوش لـ”أحوال” إلى أنّ “نتائج جولة الحريري ستظهر تلقائياً فور عودة الحريري إلى بيروت وستتضح أكثر في خطابه في 14 شباط”. أما سقف الخطاب فمرتبط بحسب علوش، بنتائج الجهود الخارجية وموقف رئيس الجمهورية واقتناعه بصيغة الحريري الأخيرة. ولفت علوش إلى أنّ “لا حل لأزمة الحكومة إلا بموافقة عون على صيغة حكومية من 18 وزيراً ومن وزراء إختصاصيين”. واتهم علوش عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بمحاولة الحصول على الثُلث المعطل مواربة من خلال انتزاع 6 وزراء ووزير سابع لحزب الطاشناق؛ مؤكداً أن “هذه المحاولة لن تنجح ولن يسمح الحريري لأي طرف بالحصول على الثلث المعطل والتحكّم بمصير وقرارات الحكومة”.
حزب الله: لن نضغط على عون
وأشارت مصادر مطلعة على موقف حزب الله لـ”أحوال” إلى أنّ “الاجتماع الأخير بين الفرنسيين وحزب الله أظهر الفرنسيين واقعية أكثر باتجاه تعديل موقفهم”. ولفتت إلى أنّ “حزب الله نصح الفرنسيين بمقاربة الملف الحكومي بواقعية أكثر، وألا يسمحوا لأي طرف التمترس خلف المبادرة الفرنسية لتجييرها لمصلحته، فضلاً عن ضرورة بقاء باريس على مسافة واحدة من الجميع والدفع باتجاه تأليف الحكومة”.
ولفتت المصادر إلى أنّ “الحزب لا يملك مبادرة متكاملة لتأليف الحكومة، بل هو لم يتوقف عن بذل المساعي مع كافة المعنيين بالتأليف بمن فيهم الحريري، لكن لا أحد ينتظر من الحزب الضغط على رئيس الجمهورية لتوقيع مرسوم حكومة لا يوافق عليها، “فأسلوب الضغط ليس قاعدة التعامل مع حلفائنا، وفي الوقت عينه نحن نقدّر أن المرحلة القائمة تتطلب بقاء الرئيس الحريري كونه الممثل الأول للطائفة السنية، وبالتالي لا بديل له في الوقت الحاضر وهذا ما أظهرته تجربة حكومة الرئيس حسان دياب”.
الأزمة داخلية وتتخذ بعداً طائفياً
يبدو أن الأزمة بدأت تتخذ بعداً طائفياً، لا سيّما وأن 90% من العقدة الحكومية داخلية بحسب المعلومات، وتتعلّق بتصلّب الرئيسين عون والحريري بموقفهما، وبالتالي الحل بالبحث عن مخرج وسطي ينهي الأزمة.
فمقابل رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، تكوّنت جبهة ضمت تيار المستقبل والحزب الإشتراكي وحركة أمل، ما دفع التيار إلى الإستعانة والتظلّل بالمرجعية المسيحية بحسب مصادر مستقبلية. إلا أن عضو تكتل لبنان القوي النائب جورج عطالله، نفى ذلك معتبراً أن “البطريرك الراعي بعكس كل الشائعات، متفهم لموقف التيار الوطني الحر، ونحن نتوافق معه على الكثير من الملفات، لكن الراعي كمرجعية وطنية يتعاطى في الوضع الداخلي بشكل أوسع وأشمل من الأمور التفصيلية”. ولفت عطالله إلى أنّ “زيارتنا إلى بكركي جاءت في إطار الزيارات الدورية بهدف التشاور معه وإطلاعه على موقفنا ولنأخذ توجيهاته”. وأشار إلى “أننا لم نُبادر إلى الإساءة لأحد، لكن تعرضنا لحملة سياسية وإعلامية ما دفعنا للرد عليها لتوضيح الصورة للرأي العام”.
الحريري أمام حلّين لا ثالث لهما
أوضح نائب التيار الوطني الحر أنّ “الحريري أمام خيارين لا ثالث لهما، إمّا يؤلف الحكومة بالتعاون مع رئيس الجمهورية ويختاران الوزراء وحدهما ويتحملان مسؤلية الحكومة في المجلس النيابي، وإمّا أن يقف الرئيس المكلّف على خاطر جميع الأطراف وينتقي الوزراء بالتوافق معهم، لكي يوفر لحكومته الغطاء السياسي والشعبي والنيابي لتكون حكومة قادرة على إدارة شؤون البلاد وحل الأزمات”. ولفت عطالله إلى أنّ “الفرنسيين باتوا يملكون هامشاً أوسع للدفع بمبادرتهم إلى الأمام، وذلك بعد التأييد الذي نالوه من الإدارة الأميركية الجديدة، وبالتالي زالت الموانع التي وضعتها الإدارة السابقة؛ كاشفاً أن “الفرنسيين سيفعّلون حركتهم وضغوطهم انطلاقاً من الإتصال الذي جرى بين عون وماكرون الأسبوع الماضي”.
محمد حمية